مجتمع الاستبداد - ارشيف موقع جولاني
موقع جولاني


مجتمع الاستبداد
بقلم وهيب أيوب

ويلٌ لأمةٍ، تكثرُ فيها المذاهب والطوائفُ، وتخلو من الدين؛ ويلٌ لأمةٍ مقسمةٍ إلى أجزاءٍ، وكل جزءٍ يحسب نفسه فيها أمة.
"جبران خليل جبران"
 

لا نجافي الحقيقة في شيء إذا قلنا، إن المجتمعات العربية، هي مجتمعات استبدادية تفتقر لأبسط مفاهيم الحرية والعدل والقانون، وهي بعمومها مجتمعات تمارس الكذب والنفاق والمداهنة في حياتها اليومية كما تمارس الطعام والشراب. ولكن كيف نشأ هذا المجتمع بحيث استحق أن نطلق عليه مجتمعاً استبدادياً؟.

منذ نشوء المجتمعات العربية وهي لا تعرف إلا نوعين من الحكم، حكم رجال الدين، المستند للشريعة الإسلامية، أو حكم السلطة الاستبدادية المدعومة من رجال الدين، وكلاهما مارس القهر والإرهاب لإقصاء كلِّ من نازعهما السلطة، بالتكفير تارةً أو بتهم الخيانة والتآمر تارةً أُخرى، وهكذا باتت معارضة رجال الدين بمثابة الكفر والزندقة، وهي تهمة تستحق القتل أو السجن، ومعارضة السلطة تهمة بمثابة التآمر والخيانة، وبالتالي تؤدي لنفس النتيجة.

وقد جاهدت تينك السلطتين بنشر وترسيخ ثقافتيهما؛ الإرهابية والاستبدادية، على المجتمع بكل ما أُتيح لهما من وسائل، سواءً بالترغيب أو الترهيب وحتى بالتجهيل المتعمّد أو غير المتعمّد، فانتشر الخوف و"التقيّة" وباتتا ثقافة عامة يتناقلها المجتمع والأفراد من جيل إلى جيل.

إن النتائج المترتبة على تلك الثقافة الاستبدادية أنتجت أُسَراً وعوائل تلقِّن أبناءها الخوف والتخويف "تقيةً" على أمنها وحياتها، وبغياب دولة العدل والقانون أصبح اللجوء للقبيلة والطائفة والمذهب والعائلة ملاذاً لا بد منه للمحافظة على البقاء.

منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم، لم يعش المواطن العربي في بلده مواطنةً حقيقية، ولم يجرِّب يوماً دولة القانون وحقوق الإنسان، ما زال المواطن العربي يجهل معنى أن يكون مواطناً له حقوق تكفلها الدولة ويصونها الدستور والمجلس والرئيس. الوطنية في العالم العربي مجرّد شعارات لحماية الذات ليس أكثر، إنها وطنية مفروضة عليه بالقمع والإرهاب كما يراها ويصوغها الحاكم ليس إلا. الوطني الفرنسي يعتز ويفاخر بوطنيته وانتمائه، لكن العربي يلفظها خوفاً من السلطة، وما أن تنهار تلك السلطة حتى ينقض على الدولة مواطنوها ليمزقوها إرباً إربا.. هذا ما حصل في العراق والحبل على الجرّار.

قد يقول قائل: " كما تكونوا يولّى عليكم"، ولكن هناك قول آخر: "كما يولّى عليكم تكونون". وبصرف النظر عن أيهما أسبق، البيضة أم الدجاجة، فالتحدي بتصحيح المعادلة يقع على عاتق كل من قال: أنا موجود.

إن فشل الحركات الثقافية والسياسية والإصلاحية الدينية- وربما خيانتها لدورها أحياناً- منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم، في عملية إعادة صياغة ثقافة جديدةٍ مستمدةٍ من القيم الإنسانية والحضارية التي تركّز على حرية الفرد والمجتمع في التفكير والإبداع والاعتقاد، أرجعنا إلى ما قبل منتصف القرن السابع.

سوف يتندّر العرب في الخمسين سنة القادمة على ما هم عليه الآن، وهذا ليس تشاؤماًً بقدر ما هو قراءة واقعية لمسار الأحداث، إذ بلغ عدد الأميين في العالم العربي مائة مليون، في ظل ثقافة تتوزع بين طائفية ومذهبية وقبلية، وفي بعضها عنصرية وفاشية، فهناك 10 ملايين قبطي "مسيحي" في مصر يحسبهم الإسلاميون أهل ذِمة تحق عليهم الجزية "عن يدٍ وهم صاغرون"! وفي الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب المصري لم ينجح قبطي واحد في تلك الانتخابات.

ليس هناك دولة مواطنة، فالمسيحي القبطي بطرس غالي فاز كأمين عام للأمم المتحدة، لكنه لا يستطيع ترشيح نفسه لرئاسة مصر، وزعيم "الإخوان المسلمين" في مصر يقول: أُفضِّل أن يحكمني مسلم من إندونيسيا على أن يحكمني قبطي مصري؟!، "ولا تجعلوا اليهود والنصارى أولياء لكم". وأثناء حكم الطالبان في أفغانستان، توسّل العالم بأسرِه للإبقاء على تماثيل بوذا إلا أنّهم قصفوها بالصواريخ ودمّروها.

إن الحركات الأصولية في العالم العربي هي حركات عنصرية وإرهابية، وسوف لن تؤدي إلا إلى تعصب الآخرين ودفعهم للبحث عن الحماية حتى عند الشيطان.

لقد صرّح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كريستوفر، أن العالم سيتحوّل إلى خمسة آلاف دولة، كما نظّر المفكر الأمريكي صامويل هانتنغتون لذلك في كتابه "صدام الحضارات"، ممَ يعني أنه سيكون لكل طائفة ومذهب وعرق دولة خاصة بهم، فهل يحقق العرب والمسلمون نظرية هنتنغتون ونبوءة كريستوفر؟ لمَ لا وقد هيّأت لهم أنظمة الاستبداد من جهة والأصولية العنصرية من جهة أُخرى طريقاً مُمَهداً لا يصنعه الحلفاء فكيف وهم يدّعون العداء.

26.04.2007